
معالي الباشا

في أحد اللقاءات التي جمعتني بالسيد أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة أثناء عملي بإحدى وكالات الأنباء وجهت له سؤالا حول موضوع معين وأثناء توجيه الحديث إليه قلت له "معاليك" .. وقبل أن يجيب قال لي الرجل: لو كنت في مكتبي لتم تغريمك مبلغ ألف دولار، لأنك سبقت كلامك معي بلفظة "معاليك" ، وفقا للقانون المتبع في المنظمة الأممية.. فقلت له: الحمد لله أنني لست في مكتبك الآن.. لكني تمنيت حينها أن أعيش في هذا المجتمع الذي يزيل الحواجز بين البشر ويساوي بين الناس ولو في الألقاب فقط.
من الخطوات المهمة في مسيرة الديمقراطية - إن أردنا تطبيقها- إلغاء مظاهر الطبقية خاصة في الأجهزة والمؤسسات الخدمية والتنفيذية فليس من المعقول أن أذهب لإنهاء معاملة فأخاطب من يخدمني بـ "معالي الباشا وسعادة البيه" أو ألقي على مسامعه ألفاظ التعظيم والتبجيل من قبيل "فخامتك، وحضرتك، ومعاليك وفخامتك".
إن مثل هذه المسميات تنسي المسئول أنه في خدمة المواطن وتجعله ينظر إلى قيامه بمقتضيات وظيفته تفضلا على الناس، وأن منصبه، الذي "حفي" من أجل الوصول إليه والحصول عليه، وسيلة للتعالي في المجتمع والتكبر على خلق الله.
هل سأل أحد نفسه إذا أراد محادثة ضابط شرطة أو قاض أو مسئول في الحي الذي يقيم فيه ماذا سيقول له؟؟ هل سيناديه باسمه مجردا؟ هل سيطلب حاجته دون ديباجة منمقة تلين عقله وقلبه "ليتعطف ويتنازل" ويؤدي عمله؟!!
أعتقد أن أياً منّا لن يجد إلا "فلان باشا أو سعادة البيه".
لا شك أننا بهذه المسميات ظلمنا أنفسنا، وخلقنا حاجزا طبقيا بيننا وبين من يخدموننا.. ولكن للأسف: وضعنا أنفسنا في الطبقة الدنيا ورفعنا "من جاهد ليتم توظيفه في خدمتنا" بالمكانة الأعلى.. وياللعجب!!